في الإمارات لا يوجد قانون قمعي واحد، بل منظومة قانونية متكاملة تشرف على قمع المعارضين منذ لحظة اعتقالهم وتستمر حتى بعد انتهاء الأحكام القضائية الصادرة ضدهم، هذه المجموعة مكونة خمسة من قوانين، يمكن لنا وصفها بـ”منظومة القوانين القمعية في الإمارات”. 

يمكن أن نصنف هذه القوانين القمعية في الإمارات وطريقة استخدامها من قبل السلطات بحسب المراحل القمعية التي يمر بها المعتقل إلى ثلاث مراحل: 

المرحلة الأولى: الاعتقال والتحقيق

 يعد القانون الاتحادي رقم 2 لسنة 2003 في شأن جهاز أمن الدولة، هو القانون الأساسي الذي يشرف على المرحلة الأولى من القمع والتي تبدأ باعتقال الفرد والتحقيق معه.

 يمنح هذا القانون عناصر الجهاز الحق باعتقال أي فرد دون قيود قضائية أو شروط شكلية أو موضوعية، إذ تسمح المادة 25 لمديري الإدارات داخل أمن الدولة بطلب هوية أي شخص وتفتيشه واعتقاله لمدة 24 ساعة. كما تمنح المواد 26 وحتى 28 من نفس القانون لمدير عام الجهاز أو نائبه أو رئيسه حجز الأفراد لمدة تصل إلى 90 يوماً دون عرضهم على أي جهة قضائية. 

وهذه المواد تخالف بشكل واضح الفقرة الثالثة من المادة 9 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي توجب تقديم المعتقل بتهمة جزائية، سريعاً، إلى أحد القضاة أو أحد الموظفين المخولين قانونا لمباشرة الوظائف القضائية. إضافة إلى أنه بموجب هذه المواد، احتجزت السلطات الإماراتية العشرات من المتهمين في قضية (الإمارات 94) وغيرهم في قضايا أخرى لمددٍ طويلة تتجاوز الـ90 يوماً، وحتى دون عرضهم على النيابة العامة. 

كذلك، يسمح القانون لعناصر الجهاز الحق في تفتيش المنازل والأشخاص حتى دون وجود مذكرة قضائية، في انتهاك صريح للمبادئ الدولية للمحاكمة العادلة، إذ تنص المادة 30 من القانون على أنه “للضباط والأعضاء بإذن من الرئيس أو نائبه أو المدير العام، الصلاحية في دخول وتفتيش المحلات والأماكن العامة واستجلاء شخصية من يتواجدون فيها متى كان لديهم ما يستوجب ذلك”.

 في الواقع يسمح هذا القانون للسلطات الإماراتية باحتجاز الأفراد بشكل تعسفي لمدد طويلة جداً بدون أي تهمة تحت ذريعة التحقيق معهم، ويمنح لجهاز أمن الدولة الحق في إخفاء الأشخاص قسرياً في سجون سرية دون وجود أي إشراف القضائي.

 ولذك يعد هذا القانون أحد الأعمدة الرئيسية التي ترسخ عملية القمع في الإمارات، حيث تبدأ أولى المراحل من خلاله، عبر اعتقال الأفراد وسجنهم بمعزل عن العالم الخارجي، وإجبارهم على الاعتراف بالتهم المنسوبة لهم بالإكراه.

 المرحلة الثانية: توجيه التهمة وإصدار أحكام السجن 

في هذه المرحلة، وبعد انتهاء الاعتقال التعسفي في السجون السرية، تنتقل السلطات الإماراتية إلى استخدام حزمة أخرى من القوانين العقابية والقمعية التي تضمن حبس الأفراد لسنوات طويلة في السجن، وإيقاع أقصى العقوبات الممكنة بهم بسبب تعبيرهم عن رأيهم. عادة ما تستخدم السلطات الإماراتية في هذه المرحلة ثلاثة قوانين، هي: قانون العقوبات، قانون مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، وقانون مكافحة الجرائم الإرهابية. 

أولاً: قانون العقوبات

 في نوفمبر 2021، أعلنت السلطات الإماراتية عن تعديل 40 قانوناً اتحادياً، تضمنت التعديلات المعلنة سن قانون جديد للجريمة والعقوبات الفيدرالي (قانون العقوبات) دخل حيز التنفيذ في يناير 2022، وقد حل هذا القانون الجديد محل القانون السابق، والذي يرجع تاريخه إلى عام 1987.

 يحتوي هذا القانون على عشرات المواد المتعلقة بالأمن الداخلي للدولة، والتي تم صياغتها بطريقة فضفاضة وغامضة، تسمح بتفسيرها بطرق تخنق جميع الأصوات المعارضة في البلاد. وفي هذا الصدد، فإن القانون الجديد بدلاً من إلغاء المواد التي أدخلتها تعديلات 2018، اعتمد عليها وزاد من تقييد ممارسة الحقوق والحريات الأساسية في البلاد. 

ثانياً: قانون مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية

 في نوفمبر 2021، عدّلت السلطات الإماراتية القانون الاتحادي السابق رقم 5 لعام 2012 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات، وأدخلت مكانه المرسوم بقانون اتحادي رقم 34 لعام 2021 في شأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية، والذي دخل حيز التنفيذ في يناير 2022.

 القانون الجديد أبقى على القيود القديمة التي تحظر انتقاد الحكام والخطاب الذي يخلق أو يشجع على “تأليب الرأي العام أو إثارته”، ويفرض عقوبات صارمة على تهم غامضة التعريف. كما أبقى على أحكام تجرّم القذف والسب في المحتوى اللفظي والمكتوب، سواء كان منشورا أو خلال حديث خاص. إضافة لذلك يجرّم القانون  المعلومات “الكاذبة” و”المضللة”، ومشاركة المعلومات مع المنظمات أو البلدان الأجنبية و”الإساءة إلى دولة الأجنبية”. يستخدم هذا القانون مثل غيره مصطلحات فضفاضة وغامضة، لا سيما فيما يتعلق بالمسائل المرتبطة بـ”أمن الدولة”، ويمنح الحكومة الإماراتية سلطة تقديرية مفرطة لتجريم وفرض عقوبات سجن طويلة على الأفراد الذين يمارسون حقوقهم بحرية التعبير والتجمع السلمي.

 كما يسمح القانون بتجريم عمل الصحفيين والمبلغين والنشطاء والنقاد السلميين، ويعرض أولئك المنخرطين في أنشطة مشروعة لعقوبات سجن قاسية وغرامات باهظة.

ثالثاً: قانون مكافحة الجرائم الإرهابية 

أصدرت السلطات الإماراتية قانون الإرهاب رقم 7 لعام 2014 في 20 أغسطس 2014، ومازال ساري المفعول حتى الآن. ويعد من أخطر القوانين القمعية، فهو لا يسمح فقط للسلطات الإماراتية بحبس الأفراد لسنوات طويلة، بل يسمح لها أيضاً بالتدخل في حياتهم ووصمهم بالإرهاب.

 يتضمن هذا القانون نفس الأحكام الموجودة في القوانين الأخرى تقريباً، بل وأحياناً بنفس الصياغة الفضفاضة، لكنه يضيف تهمة “الإرهاب” لمرتكبي هذه الأفعال لنزع صفة المعارضة السلمية عن كل من ينتقد النظام. تنص المادة 15 من قانون مكافحة الجرائم الإرهابية على أحكام تتراوح بين 3 و15 عاما لكل من “أعلن بإحدى طرق العلانية عداءه للدولة أو لنظام الحكم فيها أو عدم ولائه لقيادتها”، وهي نفس المادة تقريباً في قانون العقوبات والجرائم الإلكترونية. 

كما تفرض المادة 14 من القانون عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد على كل من يرتكب أعمالا بقصد “تهديد استقرار الدولة أو سلامتها أو وحدتها أو سيادتها أو أمنها” أو “الإضرار بالوحدة الوطنية أو السلم الاجتماعي”، وهذه المواد موجودة أيضاً في القوانين السابقة. 

لكن خطورة هذا القانون، أنه يسمح للمحاكم – بطلب من النيابة العامة – أن تأمر بفرض حظر سفر وفرض مراقبة على الأشخاص الذين يعتبرون خطرين من منظور الإرهاب، ويحظر عليهم السكن بأماكن معينة أو زيارتها، أو التواصل مع أشخاص بعينهم. كما يسمح القانون بتسمية أي عمل تراه المحاكم معاديا للدولة أو مقوضا للوحدة الوطنية، كعمل إرهابي. والحقيقة أن هذه السلطة التقديرية الواسعة في تصنيف الأعمال الإرهابية تعد خطيرة جداً، لأن التداعيات التي تترتب على هذا القانون لا تتوقف على السجن فقط، بل على حياة الإنسان حتى بعد مغادرته السجن مثل مصادرة أمواله ومنعه من السفر، بل وحتى استمرار احتجازه بعد انتهاء العقبوة بحجة أنه يشكل خطورة إرهابية.

 المرحلة الثالثة: استمرار احتجاز الفرد بعد انتهاء محكوميته 

في 2019، أصدرت السلطات الإماراتية القانون الاتحادي رقم 28 في شأن المركز الوطني للمناصحة، وهو القانون المعروف باسم قانون المناصحة. يعد هذا القانون أخطر القوانين الخمسة على الإطلاق، لأنه يسمح للسلطات باحتجاز الأفراد لأجل غير مسمى بعد انتهاء مدة عقوبتهم تحت ذريعة إعادة تأهيلهم، كما أنه يعني أن عملية القمع ضد الأفراد قد تستمر إلى ما لا نهاية. 

تستخدم السلطات الإماراتية هذا القانون لحرمان الأفراد من حقهم بالحرية حتى بعد انتهاء الأحكام القضائية الصادرة ضدهم.

 يسمح قانون مكافحة الجرائم الإرهابية للسلطات باعتقال أي شخص يشكل تهديداً إرهابياً حيث تنص الفقرة الثانية من المادة 40 على أنه: “إذا توافرت في الشخص الخطورة الإرهابية، أودع في أحد مراكز المناصحة، بحكم من المحكمة وبناءً على طلب من النيابة”. 

ينظم ما يسمى قانون المناصحة هذه العملية، دون وجود أي ضمانات قانونية للفرد بالمثول أمام محكمة أو الطعن في الأحكام الصادرة عن المحكمة، بل إنه ينص في المادة 9 على بقاء الشخص في نفس السجن الذي يقضي فيه مدة عقوبته. 

حالياً يوجد أكثر من 46 معتقلاً  للرأي انتهت محكومياتهم، لكن السلطات الإماراتية مازالت تعتقلهم تحت ذريعة “المناصحة”، وذلك ضمن خطتها القمعية المستمرة منذ لحظة الاعتقال وحتى الآن.